الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي مَنَّ عَلَيْنَا بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَرَسَّخَ دَعَائِمَ الاِتِّحَادِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، أَسْبَغَ عَلَيْنَا نِعَمَهُ، وَأَرْسَلَ إِلَيْنَا خَاتَمَ رُسُلِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ، قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّنَا نَعِيشُ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ مُنَاسَبَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ، مُنَاسَبَةَ مَوْلِدِ النَّبِيِّ وَذِكْرَى قِيَامِ اتِّحَادِ دَوْلَةِ الإِمَارَاتِ الْعَرَبِيَّةِ الْمُتَّحِدَةِ، وَإِنَّهُ لَمِنَ الْفَأْلِ الْحَسَنِ أَنْ تَأْتِيَ الْمُنَاسَبَتَانِ الْكَرِيمَتَانِ مَعًا، فَنَسْتَبْشِرَ بِتَتَابُعِ الْخَيْرِ وَتَضَافُرِهِ، وَنَتَأَمَّلَ الْحِكْمَةَ فِي اجْتِمَاعِهِمَا، وَنَقُومَ بِمَا يُمْلِيهِ عَلَيْنَا الْوَاجِبُ تُجَاهَهُمَا، فَنَتَمَسَّكَ بِهَدْيِ النَّبِيِّ وَنَقْتَدِيَ بِحِرْصِهِ عَلَى اتِّحَادِ الْكَلِمَةِ، فَلَقَدْ كَانَ مَوْلِدُهُ بِدَايَةً لِلْخَيْرِ وَالْهُدَى، وَالسَّعَادَةِ وَالْهَنَا، وَالتَّآلُفِ وَالْوَحْدَةِ، وَالْمَحَبَّةِ وَالرَّحْمَةِ، قَالَ تَعَالَى:( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ). وَمِنْ رَحْمَتِهِ بِمُجْتَمَعِهِ قَبْلَ بِعْثَتِهِ؛ أَنَّهُ فَضَّ خِلاَفَهُمْ، وَنَشَرَ السَّلاَمَ بَيْنَهُمْ، وَدَعَاهُمْ إِلَى اجْتِمَاعِ كَلِمَتِهِمْ، فَحِينَ اخْتَلَفُوا بَعْدَ بِنَاءِ الْكَعْبَةِ أَيُّهُمْ يَضَعُ الْحَجَرَ الأَسْوَدَ؟ وَأَرَادَتْ كُلُّ قَبِيلَةٍ أَنْ تَسْتَأْثِرَ بِالشَّرَفِ وَحْدَهَا، جَعَلَ كُلَّ قَبِيلَةٍ تُمْسِكُ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ الَّذِي وَضَعَ عَلَيْهِ الْحَجَرَ الأَسْوَدَ لِيُعَلِّمَهُمْ وَيُعَلِّمَنَا أَنَّ جَمِيعَ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ شُرَكَاءَ فِي تَحَمُّلِ الْمَسْؤُولِيَّةِ، وَيَنْبَغِي عَلَيْهِمْ أَنْ يَكُونُوا يَدًا وَاحِدَةً فِي إِعْمَارِ الْحَيَاةِ.
أَيُّهَا الْمُصَلُّونَ: وَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا دَعَا قَوْمَهُ إِلَى الطَّرِيقِ الْقَوِيمِ، وَالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَعِبَادَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ الَّتِي تُقَوِّي تَلَاحُمَهُمْ، وَتُعَزِّزُ الاِتِّحَادَ بَيْنَهُمْ، وَعِنْدَمَا هَاجَرَ إِلَى مُجْتَمَعٍ جَدِيدٍ غَرَسَ فِيهِ شَجَرَةَ الْمَحَبَّةِ، وَسَقَاهَا بِمَاءِ الأُلْفَةِ، وَوَحَّدَ الْكَلِمَةَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَأَنْشَأَ مُجْتَمَعًا مُتَرَابِطًا، مُتَعَاطِفًا مُتَمَاسِكًا كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ، تَحَقَّقَ فِيهِمْ وَصْفُ رَبِّنَا سُبْحَانَهُ: ( إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) . وَقَدْ أَحَاطَهُمُ النَّبِيُّ بِمَا يُقَوِّي وَحْدَتَهُمْ، وَيُبْعِدُ عَنْهُمْ أَسْبَابَ الاِخْتِلاَفِ، وَكُلَّمَا بَدَا مَظْهَرٌ مِنْ مَظَاهِرِ التَّحَزُّبِ أَوِ الْعَصَبِيَّةِ اسْتَأْصَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ وَذَكَّرَهُمْ بِمَا يُحَقِّقُ وَحْدَتَهُمْ، وَيُؤَلِّفُ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَيَجْمَعُ كَلِمَتَهُمْ، وَيَقُولُ لَهُمْ: «لَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ». وَبَرَّأَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَنَا مِنْ كُلِّ فِئَةٍ أَوْ طَائِفَةٍ تَسْعَى لِلتَّفْرِيقِ بَيْنَ النَّاسِ بِاسْمِ الدِّينِ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ). وَكَانَ مَبْعَثُهُ مِنَّةً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا، وَنِعْمَةً أَسْدَاهَا إِلَيْنَا، قَالَ سُبْحَانَهُ: ( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) . وَفِي هَذِهِ الآيَةِ الْكَرِيمَةِ يُذَكِّرُ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ بِعْثَةِ الرَّسُولِ مُحَمَّدٍ إِلَيْهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ، وَيُزَكِّي نُفُوسَهُمْ بِالْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ، وَيَمْلأُ قُلُوبَهُمْ بِالْقِيَمِ الرَّحِيمَةِ، حَتَّى صَارُوا مِنْ أَعْمَقِ النَّاسِ عِلْمًا، وَأَبَرِّهِمْ قُلُوبًا، وَأَقَلِّهِمْ تَكَلُّفًا، وَأَصْدَقِهِمْ لَهْجَةً. وَأَكْثَرِهِمْ أُلْفَةً، وَلَقَدْ خَطَبَ فِي جَمْعٍ مِنْ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا، فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي؟ وَعَالَةً، فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي؟ وَمُتَفَرِّقِينَ، فَجَمَعَكُمُ اللَّهُ بِي؟». وَيَقُولُونَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ، فَقَالَ:«أَلَا تُجِيبُونِي؟» فَقَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ. نَعَمْ، الْمِنَّةُ وَالْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ عَلَيْنَا، أَنْ بَعَثَ فِينَا رَسُولَهُ فَأَلَّفَ بِهِ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَوَحَّدَ صُفُوفَنَا، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ:( وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ). وَأَوْصَى النَّبِيُّ بِوَحْدَةِ الْمُجْتَمَعِ فَقَالَ: «مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ -أَيْ وَسَطَهَا وَأَحْسَنَهَا- فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ». فَالاِتِّحَادُ وَصِيَّةٌ نَبَوِيَّةٌ، وَضَرُورَةٌ شَرْعِيَّةٌ إِنْسَانِيَّةٌ، فَإِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ لِمُجْتَمَعٍ أَنْ يُحَقِّقَ مَصَالِحَهُ إِلاَّ بِاجْتِمَاعِ جُهُودِ أَبْنَائِهِ بِتَعَاوُنِهِمْ وَتَكَاتُفِهِمْ، وَتَلاَحُمِهِمْ وَتَآزُرِهِمْ.
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ الاِتِّحَادَ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ أَثَرًا، وَمَا تَمَسَّكَ مُجْتَمَعٌ بِاتِّحَادِهِ وَوَحْدَةِ صَفِّهِ إِلَّا قَوِيَتْ شَوْكَتُهُ، وَظَهَرَتْ عِزَّتُهُ، وَبَدَا سُلْطَانُهُ، وَعَظُمَتْ سِيَادَتُهُ، وَدَامَتْ دَوْلَتُهُ، وَازْدَهَرَتْ حَضَارَتُهُ، وَلِذَلِكَ أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِالاِتِّحَادِ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ:(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) . وَإِنَّ وَحْدَةَ الصَّفِّ وَالاِتِّحَادَ وَالتَّعَاوُنَ قَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا الأُمَمَ مِنْ قَبْلِنَا، وحَذَّرَنَا سُبْحَانَهُ أَنْ يُصِيبَنَا مَثْلُ مَا أَصَابَ مَنِ افْتَرَقَ وَاخْتَلَفَ مِنْهُمْ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ:( وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ). قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِاتِّحَادِ كَلِمَتِهِمْ، وَنَهَاهُمْ عَنِ الِاخْتِلَافِ وَالْفُرْقَةِ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ بِالْخُصُومَاتِ. وَقَدْ أَدْرَكَتِ الْقِيَادَةُ الْحَكِيمَةُ لِدَوْلَةِ الإِمَارَاتِ وَمُؤَسِّسُوهَا الأَهَمِّيَّةَ الْعُظْمَى لِلاِتِّحَادِ، فَبَادَرُوا إِلَى وَحْدَةِ الصَّفِّ، وَاجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ، وَأَقَامُوا الاِتِّحَادَ، وَهُوَ إِنْجَازٌ تَارِيخِيٌّ عَظِيمٌ، يَتَذَاكَرُهُ الأَجْيَالُ، وَأُنْمُوذَجٌ يَحْتَذِي بِهِ الآخَرُونَ ، فَأَثْمَرَتْ جُهُودُهُمْ بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى دَوْلَةً قَوِيَّةً حَضَارِيَّةً، يَشْهَدُ الْعَالَمُ بِرُقِيِّهَا، وَصَلَابَةِ اتِّحَادِهَا، وَتَلَاحُمِ قِيَادَتِهَا وَشَعْبِهَا، يُسَابِقُ الزَّمَنَ أَبْنَاؤُهَا، كُلٌّ يَهْدِفُ إِلَى الاِرْتِقَاءِ بِهَا، حَتَّى أَصْبَحَتِ الإِمَارَاتُ أُنْمُوذَجَ رُقِيٍّ وَبِنَاءٍ، وَوَاحَةَ اسْتِقْرَارٍ وَهَنَاءٍ. فَاللَّهُمَّ أَدِمْ عَلَيْنَا الْوَحْدَةَ وَالْوِئَامَ، وَأَظِلَّنَا بِالْخَيْرِ وَالسَّلاَمِ، وَبَارِكْ لَنَا فِيمَا أَعْطَيْتَنَا، وَزِدْنَا مِنْ فَضْلِكَ الْعَمِيمِ، وَوَفِّقْنَا لِطَاعَتِكَ أَجْمَعِينَ، وَطَاعَةِ رَسُولِكَ مُحَمَّدٍ الأَمِينِ وَطَاعَةِ مَنْ أَمَرْتَنَا بِطَاعَتِهِ، عَمَلاً بِقَوْلِكَ : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) ( ). نَفَعَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَبِسُنَّةِ نَبِيِّهِ الْكَرِيمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
أَيُّهَا الْمُصَلُّونَ: تَمَسَّكُوا بِهَدْيِ نَبِيِّكُمْ، وَاقْتَدُوا بِالْمُفْلِحِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، تَسْعَدُوا كَمَا سَعِدُوا، وَتَعَاوَنُوا عَلَى رِفْعَةِ الوَطَنِ، وَطَاعَةِ الْحَاكِمِ، يَشْمَلْكُمُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ، وَيَعُمَّكُمْ بِإِحْسَانِهِ، وَيُغْدِقْ عَلَيْكُمْ فَضْلَهُ وَإِنْعَامَهُ، وَاعْرِفُوا لِمُؤَسِّسِي الاِتِّحَادِ فَضْلَهُمْ، وَاشْكُرُوا لَهُمْ جُهْدَهُمْ، فَإِنَّهُمْ ( رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) . وَسَجَّلَ التَّارِيخُ ذِكْرَهُمْ ( لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ) . وَحَافِظُوا عَلَى إِنْجَازَاتِ الْوَطَنِ، فَهَذَا إِرْثُكُمْ لأَبْنَائِكُمْ، وَلِلأَجْيَالِ مِنْ بَعْدِكُمْ. هَذَا وَأَكْثِرُوا مِنَ الصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَى نَبِيِّكُمْ كَمَا أَمَرَكُمْ رَبُّكُمْ فَقَالَ تَعَالَى:( إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا). وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا». اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ الأَكْرَمِينَ. اللَّهُمَّ ارْحَمْ شُهَدَاءَ الْوَطَنِ الأَوْفِيَاءَ، وَارْفَعْ دَرَجَاتِهِمْ فِي عِلِّيِّينَ مَعَ الأَنْبِيَاءِ، وَاجْزِ أُمَّهَاتِهِمْ وَآبَاءَهُمْ وَزَوْجَاتِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ جَمِيعًا جَزَاءَ الصَّابِرِينَ يَا سَمِيعَ الدُّعَاءِ. اللَّهُمَّ انْصُرْ قُوَّاتِ التَّحَالُفِ الْعَرَبِيِّ، الَّذِينَ تَحَالَفُوا عَلَى رَدِّ الْحَقِّ إِلَى أَصْحَابِهِ، اللَّهُمَّ كُنْ مَعَهُمْ وَأَيِّدْهُمْ. اللَّهُمَّ انْشُرِ الاِسْتِقْرَارَ وَالسَّلاَمَ فِي بُلْدَانِ الْمُسْلِمِينَ وَالْعَالَمِ أَجْمَعِينَ. اللَّهُمَّ زِدِ الإِمَارَاتِ بَهْجَةً وَجَمَالاً، وَاكْتُبْ لِمَنْ غَرَسَ فِيهَا هَذِهِ الْخَيْرَاتِ الأَجْرَ وَالْحَسَنَاتِ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. اللَّهُمَّ وَفِّقْ رَئِيسَ الدَّوْلَةِ، الشَّيْخ خليفة بن زايد، وَأَدِمْ عَلَيْهِ مَوْفُورَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ، وَاجْعَلْهُ يَا رَبَّنَا فِي حِفْظِكَ وَعِنَايَتِكَ، وَوَفِّقِ اللَّهُمَّ نَائِبَهُ الشيخ محمد بن راشد لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ، وَأَيِّدْ إِخْوَانَهُ حُكَّامَ الإِمَارَاتِ وأولياءَ عُهُودِهِمْ أَجْمَعِينَ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، اللَّهُمَّ ارْحَمِ الشَّيْخ زَايِد، والشَّيْخ رَاشِد، وَالشَّيْخ مَكْتُوم، وَشُيُوخَ الإِمَارَاتِ الَّذِينَ انْتَقَلُوا إِلَى رَحْمَتِكَ، وَأَدْخِلِ اللَّهُمَّ فِي عَفْوِكَ وَغُفْرَانِكَ وَرَحْمَتِكَ آبَاءَنَا وَأُمَّهَاتِنَا وَجَمِيعَ أَرْحَامِنَا وَمَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَيْنَا. اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُوْمًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُوْمًا، وَلاَ تَدَعْ فِيْنَا وَلاَ مَعَنَا شَقِيًّا وَلاَ مَحْرُوْمًا. اللَّهُمَّ احْفَظْ دَوْلَةَ الإِمَارَاتِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَأَدِمْ عَلَيْهَا الأَمْنَ وَالأَمَانَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. عِبَادَ اللَّهِ :( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ) . اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكرُوهُ علَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ:( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّنَا نَعِيشُ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ مُنَاسَبَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ، مُنَاسَبَةَ مَوْلِدِ النَّبِيِّ وَذِكْرَى قِيَامِ اتِّحَادِ دَوْلَةِ الإِمَارَاتِ الْعَرَبِيَّةِ الْمُتَّحِدَةِ، وَإِنَّهُ لَمِنَ الْفَأْلِ الْحَسَنِ أَنْ تَأْتِيَ الْمُنَاسَبَتَانِ الْكَرِيمَتَانِ مَعًا، فَنَسْتَبْشِرَ بِتَتَابُعِ الْخَيْرِ وَتَضَافُرِهِ، وَنَتَأَمَّلَ الْحِكْمَةَ فِي اجْتِمَاعِهِمَا، وَنَقُومَ بِمَا يُمْلِيهِ عَلَيْنَا الْوَاجِبُ تُجَاهَهُمَا، فَنَتَمَسَّكَ بِهَدْيِ النَّبِيِّ وَنَقْتَدِيَ بِحِرْصِهِ عَلَى اتِّحَادِ الْكَلِمَةِ، فَلَقَدْ كَانَ مَوْلِدُهُ بِدَايَةً لِلْخَيْرِ وَالْهُدَى، وَالسَّعَادَةِ وَالْهَنَا، وَالتَّآلُفِ وَالْوَحْدَةِ، وَالْمَحَبَّةِ وَالرَّحْمَةِ، قَالَ تَعَالَى:( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ). وَمِنْ رَحْمَتِهِ بِمُجْتَمَعِهِ قَبْلَ بِعْثَتِهِ؛ أَنَّهُ فَضَّ خِلاَفَهُمْ، وَنَشَرَ السَّلاَمَ بَيْنَهُمْ، وَدَعَاهُمْ إِلَى اجْتِمَاعِ كَلِمَتِهِمْ، فَحِينَ اخْتَلَفُوا بَعْدَ بِنَاءِ الْكَعْبَةِ أَيُّهُمْ يَضَعُ الْحَجَرَ الأَسْوَدَ؟ وَأَرَادَتْ كُلُّ قَبِيلَةٍ أَنْ تَسْتَأْثِرَ بِالشَّرَفِ وَحْدَهَا، جَعَلَ كُلَّ قَبِيلَةٍ تُمْسِكُ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ الَّذِي وَضَعَ عَلَيْهِ الْحَجَرَ الأَسْوَدَ لِيُعَلِّمَهُمْ وَيُعَلِّمَنَا أَنَّ جَمِيعَ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ شُرَكَاءَ فِي تَحَمُّلِ الْمَسْؤُولِيَّةِ، وَيَنْبَغِي عَلَيْهِمْ أَنْ يَكُونُوا يَدًا وَاحِدَةً فِي إِعْمَارِ الْحَيَاةِ.
أَيُّهَا الْمُصَلُّونَ: وَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا دَعَا قَوْمَهُ إِلَى الطَّرِيقِ الْقَوِيمِ، وَالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَعِبَادَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ الَّتِي تُقَوِّي تَلَاحُمَهُمْ، وَتُعَزِّزُ الاِتِّحَادَ بَيْنَهُمْ، وَعِنْدَمَا هَاجَرَ إِلَى مُجْتَمَعٍ جَدِيدٍ غَرَسَ فِيهِ شَجَرَةَ الْمَحَبَّةِ، وَسَقَاهَا بِمَاءِ الأُلْفَةِ، وَوَحَّدَ الْكَلِمَةَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَأَنْشَأَ مُجْتَمَعًا مُتَرَابِطًا، مُتَعَاطِفًا مُتَمَاسِكًا كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ، تَحَقَّقَ فِيهِمْ وَصْفُ رَبِّنَا سُبْحَانَهُ: ( إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) . وَقَدْ أَحَاطَهُمُ النَّبِيُّ بِمَا يُقَوِّي وَحْدَتَهُمْ، وَيُبْعِدُ عَنْهُمْ أَسْبَابَ الاِخْتِلاَفِ، وَكُلَّمَا بَدَا مَظْهَرٌ مِنْ مَظَاهِرِ التَّحَزُّبِ أَوِ الْعَصَبِيَّةِ اسْتَأْصَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ وَذَكَّرَهُمْ بِمَا يُحَقِّقُ وَحْدَتَهُمْ، وَيُؤَلِّفُ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَيَجْمَعُ كَلِمَتَهُمْ، وَيَقُولُ لَهُمْ: «لَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ». وَبَرَّأَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَنَا مِنْ كُلِّ فِئَةٍ أَوْ طَائِفَةٍ تَسْعَى لِلتَّفْرِيقِ بَيْنَ النَّاسِ بِاسْمِ الدِّينِ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ). وَكَانَ مَبْعَثُهُ مِنَّةً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا، وَنِعْمَةً أَسْدَاهَا إِلَيْنَا، قَالَ سُبْحَانَهُ: ( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) . وَفِي هَذِهِ الآيَةِ الْكَرِيمَةِ يُذَكِّرُ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ بِعْثَةِ الرَّسُولِ مُحَمَّدٍ إِلَيْهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ، وَيُزَكِّي نُفُوسَهُمْ بِالْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ، وَيَمْلأُ قُلُوبَهُمْ بِالْقِيَمِ الرَّحِيمَةِ، حَتَّى صَارُوا مِنْ أَعْمَقِ النَّاسِ عِلْمًا، وَأَبَرِّهِمْ قُلُوبًا، وَأَقَلِّهِمْ تَكَلُّفًا، وَأَصْدَقِهِمْ لَهْجَةً. وَأَكْثَرِهِمْ أُلْفَةً، وَلَقَدْ خَطَبَ فِي جَمْعٍ مِنْ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا، فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي؟ وَعَالَةً، فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي؟ وَمُتَفَرِّقِينَ، فَجَمَعَكُمُ اللَّهُ بِي؟». وَيَقُولُونَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ، فَقَالَ:«أَلَا تُجِيبُونِي؟» فَقَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ. نَعَمْ، الْمِنَّةُ وَالْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ عَلَيْنَا، أَنْ بَعَثَ فِينَا رَسُولَهُ فَأَلَّفَ بِهِ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَوَحَّدَ صُفُوفَنَا، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ:( وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ). وَأَوْصَى النَّبِيُّ بِوَحْدَةِ الْمُجْتَمَعِ فَقَالَ: «مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ -أَيْ وَسَطَهَا وَأَحْسَنَهَا- فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ». فَالاِتِّحَادُ وَصِيَّةٌ نَبَوِيَّةٌ، وَضَرُورَةٌ شَرْعِيَّةٌ إِنْسَانِيَّةٌ، فَإِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ لِمُجْتَمَعٍ أَنْ يُحَقِّقَ مَصَالِحَهُ إِلاَّ بِاجْتِمَاعِ جُهُودِ أَبْنَائِهِ بِتَعَاوُنِهِمْ وَتَكَاتُفِهِمْ، وَتَلاَحُمِهِمْ وَتَآزُرِهِمْ.
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ الاِتِّحَادَ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ أَثَرًا، وَمَا تَمَسَّكَ مُجْتَمَعٌ بِاتِّحَادِهِ وَوَحْدَةِ صَفِّهِ إِلَّا قَوِيَتْ شَوْكَتُهُ، وَظَهَرَتْ عِزَّتُهُ، وَبَدَا سُلْطَانُهُ، وَعَظُمَتْ سِيَادَتُهُ، وَدَامَتْ دَوْلَتُهُ، وَازْدَهَرَتْ حَضَارَتُهُ، وَلِذَلِكَ أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِالاِتِّحَادِ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ:(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) . وَإِنَّ وَحْدَةَ الصَّفِّ وَالاِتِّحَادَ وَالتَّعَاوُنَ قَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا الأُمَمَ مِنْ قَبْلِنَا، وحَذَّرَنَا سُبْحَانَهُ أَنْ يُصِيبَنَا مَثْلُ مَا أَصَابَ مَنِ افْتَرَقَ وَاخْتَلَفَ مِنْهُمْ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ:( وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ). قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِاتِّحَادِ كَلِمَتِهِمْ، وَنَهَاهُمْ عَنِ الِاخْتِلَافِ وَالْفُرْقَةِ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ بِالْخُصُومَاتِ. وَقَدْ أَدْرَكَتِ الْقِيَادَةُ الْحَكِيمَةُ لِدَوْلَةِ الإِمَارَاتِ وَمُؤَسِّسُوهَا الأَهَمِّيَّةَ الْعُظْمَى لِلاِتِّحَادِ، فَبَادَرُوا إِلَى وَحْدَةِ الصَّفِّ، وَاجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ، وَأَقَامُوا الاِتِّحَادَ، وَهُوَ إِنْجَازٌ تَارِيخِيٌّ عَظِيمٌ، يَتَذَاكَرُهُ الأَجْيَالُ، وَأُنْمُوذَجٌ يَحْتَذِي بِهِ الآخَرُونَ ، فَأَثْمَرَتْ جُهُودُهُمْ بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى دَوْلَةً قَوِيَّةً حَضَارِيَّةً، يَشْهَدُ الْعَالَمُ بِرُقِيِّهَا، وَصَلَابَةِ اتِّحَادِهَا، وَتَلَاحُمِ قِيَادَتِهَا وَشَعْبِهَا، يُسَابِقُ الزَّمَنَ أَبْنَاؤُهَا، كُلٌّ يَهْدِفُ إِلَى الاِرْتِقَاءِ بِهَا، حَتَّى أَصْبَحَتِ الإِمَارَاتُ أُنْمُوذَجَ رُقِيٍّ وَبِنَاءٍ، وَوَاحَةَ اسْتِقْرَارٍ وَهَنَاءٍ. فَاللَّهُمَّ أَدِمْ عَلَيْنَا الْوَحْدَةَ وَالْوِئَامَ، وَأَظِلَّنَا بِالْخَيْرِ وَالسَّلاَمِ، وَبَارِكْ لَنَا فِيمَا أَعْطَيْتَنَا، وَزِدْنَا مِنْ فَضْلِكَ الْعَمِيمِ، وَوَفِّقْنَا لِطَاعَتِكَ أَجْمَعِينَ، وَطَاعَةِ رَسُولِكَ مُحَمَّدٍ الأَمِينِ وَطَاعَةِ مَنْ أَمَرْتَنَا بِطَاعَتِهِ، عَمَلاً بِقَوْلِكَ : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) ( ). نَفَعَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَبِسُنَّةِ نَبِيِّهِ الْكَرِيمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
أَيُّهَا الْمُصَلُّونَ: تَمَسَّكُوا بِهَدْيِ نَبِيِّكُمْ، وَاقْتَدُوا بِالْمُفْلِحِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، تَسْعَدُوا كَمَا سَعِدُوا، وَتَعَاوَنُوا عَلَى رِفْعَةِ الوَطَنِ، وَطَاعَةِ الْحَاكِمِ، يَشْمَلْكُمُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ، وَيَعُمَّكُمْ بِإِحْسَانِهِ، وَيُغْدِقْ عَلَيْكُمْ فَضْلَهُ وَإِنْعَامَهُ، وَاعْرِفُوا لِمُؤَسِّسِي الاِتِّحَادِ فَضْلَهُمْ، وَاشْكُرُوا لَهُمْ جُهْدَهُمْ، فَإِنَّهُمْ ( رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) . وَسَجَّلَ التَّارِيخُ ذِكْرَهُمْ ( لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ) . وَحَافِظُوا عَلَى إِنْجَازَاتِ الْوَطَنِ، فَهَذَا إِرْثُكُمْ لأَبْنَائِكُمْ، وَلِلأَجْيَالِ مِنْ بَعْدِكُمْ. هَذَا وَأَكْثِرُوا مِنَ الصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَى نَبِيِّكُمْ كَمَا أَمَرَكُمْ رَبُّكُمْ فَقَالَ تَعَالَى:( إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا). وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا». اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ الأَكْرَمِينَ. اللَّهُمَّ ارْحَمْ شُهَدَاءَ الْوَطَنِ الأَوْفِيَاءَ، وَارْفَعْ دَرَجَاتِهِمْ فِي عِلِّيِّينَ مَعَ الأَنْبِيَاءِ، وَاجْزِ أُمَّهَاتِهِمْ وَآبَاءَهُمْ وَزَوْجَاتِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ جَمِيعًا جَزَاءَ الصَّابِرِينَ يَا سَمِيعَ الدُّعَاءِ. اللَّهُمَّ انْصُرْ قُوَّاتِ التَّحَالُفِ الْعَرَبِيِّ، الَّذِينَ تَحَالَفُوا عَلَى رَدِّ الْحَقِّ إِلَى أَصْحَابِهِ، اللَّهُمَّ كُنْ مَعَهُمْ وَأَيِّدْهُمْ. اللَّهُمَّ انْشُرِ الاِسْتِقْرَارَ وَالسَّلاَمَ فِي بُلْدَانِ الْمُسْلِمِينَ وَالْعَالَمِ أَجْمَعِينَ. اللَّهُمَّ زِدِ الإِمَارَاتِ بَهْجَةً وَجَمَالاً، وَاكْتُبْ لِمَنْ غَرَسَ فِيهَا هَذِهِ الْخَيْرَاتِ الأَجْرَ وَالْحَسَنَاتِ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. اللَّهُمَّ وَفِّقْ رَئِيسَ الدَّوْلَةِ، الشَّيْخ خليفة بن زايد، وَأَدِمْ عَلَيْهِ مَوْفُورَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ، وَاجْعَلْهُ يَا رَبَّنَا فِي حِفْظِكَ وَعِنَايَتِكَ، وَوَفِّقِ اللَّهُمَّ نَائِبَهُ الشيخ محمد بن راشد لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ، وَأَيِّدْ إِخْوَانَهُ حُكَّامَ الإِمَارَاتِ وأولياءَ عُهُودِهِمْ أَجْمَعِينَ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، اللَّهُمَّ ارْحَمِ الشَّيْخ زَايِد، والشَّيْخ رَاشِد، وَالشَّيْخ مَكْتُوم، وَشُيُوخَ الإِمَارَاتِ الَّذِينَ انْتَقَلُوا إِلَى رَحْمَتِكَ، وَأَدْخِلِ اللَّهُمَّ فِي عَفْوِكَ وَغُفْرَانِكَ وَرَحْمَتِكَ آبَاءَنَا وَأُمَّهَاتِنَا وَجَمِيعَ أَرْحَامِنَا وَمَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَيْنَا. اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُوْمًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُوْمًا، وَلاَ تَدَعْ فِيْنَا وَلاَ مَعَنَا شَقِيًّا وَلاَ مَحْرُوْمًا. اللَّهُمَّ احْفَظْ دَوْلَةَ الإِمَارَاتِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَأَدِمْ عَلَيْهَا الأَمْنَ وَالأَمَانَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. عِبَادَ اللَّهِ :( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ) . اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكرُوهُ علَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ:( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) .
